تفاقم أزمة شح المياه … كارثة تهدد الأردن
تُعتبر منطقة شمالي وادي الأردن جزءاً هاماً من السلّة الغذائيّة للأردن. بيد أن شحّ الموارد المائية، مقارنةً بما كانت عليه في الماضي، أجبر المزارعين على تغيير محاصيلهم.
يقول المزارع محمد أبو سيليه: “كنّا نزرع الطماطم والملوخية. أمّا اليوم، فقد تغيّر الطقس وتبدّلت معه سهولة حصولنا على المياه؛ لذا ليس بوسعنا زراعة الملوخية بعد الآن.” ويضيف قائلاً أنّه في الماضي، كان هو ومعه آلاف المزارعين الأردنيين يحصلون على مياه الريّ بشكلٍ يوميّ. “أمّا اليوم، نحصل على المياه مرّتين في الأسبوع ولا تتعدّى كلّ مرّة الخمس أو الست ساعات. لقد بدأنا بتغيير محاصيلنا للتأقلم مع شحّ المياه، ولهذا نكثّف زراعة البصل والثوم، وهو أمر لم يكن يحصل في السابق، كما نزرع الخضار والفاكهة التي لا تحتاج للكثير من المياه.”
يُعدّ الأردن من أكثر البلدان جفافاً في العالم، إذ يتذيل لائحة أفقر الدول من حيث حصة الفرد من المياه. وهو يواجه حالياً أسوأ نقص في المياه منذ قرن من الزمن.
تعتبر الأمم المتحدة أنّ البلد، الذي يبلغ الإمداد المائي فيه أقلّ من 500 متر مكعّب لكلّ فرد، يعاني “شحاً مائياً مطلقاً”. ففي عام 2018، سجّل الأردن أقلّ من ربع تلك الكمية أو ما يعادل 150 متراً مكعباً لكلّ فرد.
يقول الدكتور الياس سلامة، بروفيسور الهيدروجيولوجيا والكيمياء المائية في جامعة الأردن، إن “الأردن تولّى إدارة الموارد المائية التي تنبع من داخل حدوده، ولكن أصبحت مشاركة تلك الموارد التي تأتي من خارج الحدود مسألة بغاية التعقيد.”
تنبع معظم المياه التي لبت حاجة 10 ملايين نسمة من سكّان الأردن في عام 2020 من خارج حدود البلاد، وهي تخضع لاتفاقياتٍ مائية. وتمّت صياغة أسس الاتفاقيات الرئيسية في خمسينيات القرن الماضي، أي أنّها كانت مصممة في ذلك الوقت لسدّ حاجة مليوني نسمة فقط.
في عام 1987، وقّع كلّ من الأردن وسوريا اتفاقية تقاسم مياه. ويُعتبر حوض نهر اليرموك، الذي يصب في نهر الأردن، أحد أبرز مصادر المياه التي يتشاركها البلدان. فبالنسبة للأردن، يمثّل 40% من موارده المائية في الظروف الطبيعية، كما يشرح خبير المياه الأردني دريد محاسنة.
وبحسب محاسنة، فإنّه “على أساس هذه الاتفاقية قمنا ببناء سدّ اليرموك، الذي أصبح اسمه اليوم “سدّ الوحدة”، والذي كان مقرراً أن يجمع حصّة الأردن من مياه نهر اليرموك، أي ما يوازي 300 مليون متر مكعب سنوياً.”
بيد أنّه اليوم، يحصل الأردن على أقلّ بكثير من تلك الكمية المنصوص عليها في الاتفاقية. وهنا يشرح البروفيسور الياس سلامة أنّ “ما يحصل عليه الأردن فعلياً من نهر اليرموك لا يتخطّى 60 أو 70 مليون متر مكعّب من المياه.”
يعود أحد أسباب ذلك إلى أنّ اتفاقية عام 1987 نصّت على ألا تبني سوريا أكثر من 28 سداً لتجميع مياه اليرموك الذي ينبع في الأساس من جنوبي أراضيها. ويشرح البروفيسور سلامة أنّه “اليوم يبلغ عدد السدود على الجانب السوري 40 سداً. وبالتالي كان الأردن للأسف الخاسر في مسألة تقاسم مياه نهر اليرموك.”
عقب محادثات السلام مع إسرائيل والتي أفضت إلى اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1994 ومعاهدة وادي عربة مع الأردن عام 1995، احتجّت سوريا على غياب اتفاقية سلام عربية موحدة، وزادت وتيرة بناء السدود على أراضيها.
يُشار إلى أنّ مياه حوض اليرموك تتدفق إلى نهر اليرموك ومن ثمّ إلى نهر الأردن. وفي هذا الصدد، يشرح الدكتور محاسنة أنّ “الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا وإسرائيل تتشارك كلّها نهر الأردن وروافده. وقد وقّع الأردن اتفاقية تخزين مياه مع إسرائيل في بحيرة طبريا. فيتمّ تخزينه في الشتاء ويُنقل إلينا مجدداً في الصيف. إنّها اتفاقية فاعلة.”
وبموجب اتفاقية تقاسم المياه مع إسرائيل، يخزّن الأردن المياه في بحيرة طبريا التي لا يمكنها تخزين المياه من تلقاء نفسها لأسبابٍ جيولوجية في شمال البلاد. وتزوّد إسرائيل بما مجموعه 25 مليون متر مكعب من نهر اليرموك، كما هو منصوص في معاهدة وادي عربة.
يلتزم الأردن باتفاقيته مع إسرائيل، إذ يعتبر أنّها تعود بالفائدة المتبادلة حتى وإن كانت في الواقع لا تسد احتياجات الأردن من المياه.
غير أنّ اتفاقية المياه مع سوريا، والتي من شأنها إثراء الأردن بالمياه تضررت بفعل الخلاف على مقاربة السلام مع الإسرائيليين. وبالتالي، أصبح الأردن اليوم أكثر فقراً بالمياه مما كان عليه قبل إبرام اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1995.
يشير الدكتور محاسنة بهذا الخصوص إلى أنّه “عندما قمنا ببناء سدّ الوحدة بالاتفاق مع الحكومة السورية، بنيناه على تدفّق مياه معيّن واليوم يحتوي السدّ على أقلّ من 20% ممّا كان يفترض تخزينه بحسب اتفاقنا. وهذا يعني أنّ الأمور لم تجرِ على ما يرام. يكمن الحلّ الوحيد في احترام القوانين والاتفاقيات وتطبيقها – وهذا ما لا يحصل الآن.”
وفي حال أراد الأردن إعادة مستوى مياه نهر اليرموك إلى سابق عهده، لا بدّ من استئناف مفاوضات جديدة بين الأردن وسوريا، وسيشمل ذلك على الأرجح عملية مقايضة ما.
أمّا الحلول البديلة للحصول على موارد مياه جديدة فهي باهظة الثمن، ولكن طالما أنّه لا وجود لاستئناف اتفاقية تقاسم المياه مع سوريا، فربما سيبقى هذا الحل هو الوحيد المتوفّر لدى الأردن.