(أليسو) التركي يخنق دجلة ويدخل العراق في أزمة مياه عميقة
نوزت شمدين/ الموصل/ خاص بالموقع
استيقظ أهالي مدينة الموصل مطلع حزيران/يونيو 2018 ليجدوا نهر دجلة المار بمدينتهم وقد تحول الى ساقية يقطعها الصبية مشياً على الأقدام بعد أن بدأت تركيا بتشغيل واحدة من أكبر سدودها المنشاة حديثاً جنوبي البلاد، مما ينذر بكارثة جفاف ستضرب العراق بسبب فقدانه لنحو (10 ) مليار مكعب من المياه أي بحدود النصف مما كان يأتي به دجلة من الشمال حيث ينبع من تركيا.
على الرغم من أن المباشرة ببناء السد التركي بدأ سنة 2006 إلا أن الاعتراض العراقي على المستويين الشعبي والحكومي كان خجولاً، بسبب الانشغال وقتها بالحرب الطائفية الطاحنة في عموم البلاد وسط تواجد للقوات الأمريكية ودخولها في حرب شوارع مع جماعات دينية مسلحة حملت شعار المقاومة.
وهي ذات السنة التي أعلن فيها قيام تنظيم الدولة الاسلامية في العراق الذي استنزف الدولة العراقية بحرب يومية انتهت بسيطرته على ثلث مساحة العراق في حزيران 2014 ولم يمضي على تحريرها من قبضته سوى أشهر قليلة مع دمار شبه كامل للبنى التحتية حتى أستكمله سد اليسو بحبس مياه دجلة.
خبراء في وزارة الموارد المائية ذكروا بأن بدء ملء سد اليسو التركي أفقد العراق نحو 10,5 مليار مكعب من المياه. وهذا يعني جفاف وتصحر أكثر من (7) مليون دونم من الأراضي الزراعية والتي تقدر بنحو( 691) الف هكتار في المحافظات التي يمر بها النهر قبل أن يصب في الخليج العربي عبر شط العرب.
وهذا من شأنه احداث اكبر نزوح جماعي بسبب الجفاف والتصحر مما سيؤدي الى كارثة إنسانية كبرى إن لم تتداركها الدولة وبسرعة من خلال ترشيد استهلاك المياه المتاحة وتوزيعها بنحو صحيح.
وزير الموارد المائية حسن الجنابي اكتفى ببيان طمأن فيه العراقيين بان هنالك اتفاق بين العراق وتركيا بخصوص الكميات المخزونة من المياه او المطلقة سيستمر الى خريف العام الجاري وبعدها يجري اجتماع لمراجعته وفق التطورات الجديدة.
لكنه عاد في اليوم التالي ليقول في جلسة تشاورية دعي اليها في مجلس النواب إن الاتفاق العراقي التركي كان يقضي بالتنسيق المشترك قبل ملء السدود وان لايتم ذلك إلا بعد مشاورة العراق وموافقته. وأضاف: “للأسف الجانب التركي بدأ بملء السدود دون القيام بذلك” .
وألمح الوزير الى عدم جدوى إحداث توتر سياسي مع تركيا لأنها دولة منبع النهر وليس أمام العراق سوى الحوار والتفاهم لحل أزمة المياه.
وفي ذات الجلسة خرج البرلمان بتوصيات تتعلق باستمرار مهام اللجنة العليا المشكلة حول ازمة المياه في حالة طوارىء وتشكيل قوة امنية لوضع حد للتجاوزات المائية في المحافظات، وإرسال رسالة عاجلة الى نظيره التركي يطلب فيها تأجيل ملء سد الايسو لمدة 3 اشهر أخرى، مع وفد الى تركيا للاتفاق حول المياه، اضافة الى تفعيل لجنة الصداقة البرلمانية العراقية – التركية وعلى أعلى الأطر والمستويات.
ودعا مجلس النواب العراقي الوقفين الشيعي والسني ورجال الدين لإبراز مشكلة المياه في خطبة الجمعة. ومطالبة هيئة الاستثمار لدعوة الشركات لفتح مشاريع خاصة بـ ” تحلية المياه ” واستقطاع مبالغ من الشركات النفطية العاملة بالعراق لتأسيس هذه المشاريع.
بينما أصدر رئيس جمهورية العراق فؤاد معصوم بياناً بعد اجتماع عقده مع نوابه، نص على أهمية النظر بمسؤولية استراتيجية إلى المشكلة ومواصلة الحوار مع السلطات التركية المختصة على أساس المصالح المشتركة وبما يضمن تحقيق العدالة في الثروة المائية”.
د. رعد العباسي الموظف في الأمم المتحدة قال بأن الجانب التركي لا يمكنه قطع المياه بشكل كامل لأنه ملزم باتفاقيات دولية للمحافظة على حدود اطلاقات معينة تكون كافية للحاجة البشرية إذا ما أعتمد نظام ترشيد استهلاك المياه في القطاعات السكنية وتقليل الخسائر ورفع التجاوزات واتخاذ تدابير بديلة في عملية الري الزراعي.
وأشار إلى إمكانية تجاوز الأزمة لأن هنالك بلدان لا تتوفر فيها ربع المياه الموجود حاليا في العراق في الوقت الحاضر ولكنها توفر خدمة مياه الشرب 24 ساعة يوميا بالإضافة الى انها تتمتع بزراعة جيدة. وأستدرك ” العبرة بطريقة تجهيز المياه وتقليل الخسائر ورفع أي تجاوز”.
ينبع نهر دجلة من جبال طوروس، جنوب شرق الأناضول ويبلغ طول مجراه نحو 1,718 كيلومتر. 1400 كيلو متر منها داخل العراق. وقد شيد عليه من جهة تركيا سد (اليسو) وافتتح في شباط 2018 وبدأت أعمال ملء خزانه بالمياه في الأول من حزيران المنصرم وهو واحد من بين 22 سداً تنوي تركيا بنائها ضمن مشروع جنوب شرق الاناضول لتوليد الطاقة الهيدروليكية والتحكم في الفيضانات وتخزين المياه.
وعم الغضب الأوساط الشعبية في العراق إثر انتشار صور لنهر دجلة الذي اصبح ضحلاً. ودعا ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي الى مقاطعة البضائع التركية التي تغرق السوق العراقية وعدم التعامل مع الشركات العاملة في السوق العراقي وقطع الإمداد النفطي الى تركيا. وبرروا قيام تركيا بحجب المياه عن نهر دجلة الى ضعف السياسة الخارجية العراقية ورضوخها لبلدان الجوار.
ويقصدون بذلك إيران التي قطعت هي الأخرى امدادات نحو 30 نهرا صغيرا تنبع من اراضيها وتدخل الاراضي العراقية دون أية ردة فعل عراقية واضحة.
وقال الصحفي العراقي المخضرم “عبد الرحمن عناد” إن أزمة المياه نتاج لفشل الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، وأفضل رد فعل عراقي يتمثل بمقاطعة اقتصادية وتجارية تجبر تركيا على احترام اتفاقياتها( على حد تعبيره).
وأضاف بأن للنقابات واتحادات التجارة والصناعة في تركيا تأثير على السياسة الداخلية، وهنالك الكثير من التجار والصناعيين الذين تمثل صادراتهم الى العراق المورد الاساسي لهم ، ويرتبط بهم الالاف من العمال والموظفين ، اضافة الى الآلاف من سائقي الشاحنات التي تنقل بضائعهم الى العراق ، وان اي توقف لعملهم بسبب المقاطعة سيدفعهم الى الضغط على حكومتهم ، وستضاف خساراتهم الشخصية الى خسارات الدولة التي يصل تعاملها مع العراق الى عشرة مليارات من الدولارات سنويا ، حيث يمثل العراق ثالث مستورد من تركيا بعد المانيا وبريطانيا.
فيما اعترض الصحفي “عدي فوزي” على مطالبات حملة المقاطعة بقوله انها لن تضر سوى بالمواطن العراقي نفسه “لأن العراق بلد مستورد لجميع الاحتياجات الغذائية والاستهلاكية وغالبيتها العظمى من تركيا والمقاطعة سترفع اسعار كل شيء في البلاد”.
وأيد بدلاً من ذلك المطالبين بتفاوض العراق مع تركيا للحصول على جزء من (1200) ميغا واط التي سينتجها سد ( اليسو) مقابل الموافقة على تجميع المياه في السد لكون العراق اصلا قد فشل من 1991 ولغاية الان في حل ولو جزء بسيط من أزمة الكهرباء على حد وصفه.
وبين مطالب بالمقاطعة ومعارض لها هنالك رأي ثالث يتمثل بالاقتداء بالتجربة التركية في تخطيط وتنفيذ البرامج التنموية فيما تذهب معظم مياه نهري دجلة والفرات المارين بالعراق هدرا الى الخليج العربي دون فائدة تذكر سوى للشرب وجزء قليل جدا منها لسقي الاراضي على الضفاف لا غير.