(المياه المعدنية المعبأة) أكثر سلعة رائجة في الموصل بعد الحرب
- خاص بموقع قصة المياه- عمر الضاحي- الموصل
أعتاد سكانٌ من المدينة القديمة في الموصل الوقوف في طوابير طويلة للحصول على احتياجهم من مياه الشرب التي تأتي بها المنظمات الخيرية بعد أن قطعت الحرب أوصال مشاريع المياه ودفعت الأهالي هناك الى أن يجربوا حظهم بحفر عشرات الآبار ليكتشفوا في النهاية بأن مياهها غير صالحة للشرب.
مرت اكثر من سنة على توقف معارك تحرير الموصل من داعش. والتي أنقشع غبارها عن خراب عمراني هائل قدره تقرير للأمم المتحدة بـأحد عشر الف وحدة سكنية مع تدمير كامل للبنى التحتية ومنها شبكة توزيع المياه.
(عادل صابر) واحد من بين مئات أرباب الأسر العائدين من مخيمات النزوح ويحاولون بإمكانياتهم البسيطة أعادة الحياة الى المكان بعد أن رفعت الحكومة المحلية في نينوى راية عجزها بسبب إفلاسها.
يقول بأن شبكة أنابيب نقل المياه كانت متهالكة في الأصل. وجاءت الحرب لتدمرها بالكامل. وأنه لم يكن ليعود لولا سماعه بقيام منظمات خيرية بحفر آبار في منطقة سكناه. وأكتشف لاحقاً أن مياهها غير صالحة للاستخدام البشري وتستخدم فقط للغسيل. لذا فليس أمامه سوى المياه المعدنية المعبأة التي يشتريها. واستدرك قائلا:
” ربما استطيع شرائها لأنني موظف وأحصل على راتب. لكن مئات العائلات في المدينة القديمة معيلوها في القبور أو عاطلون ويحصلون على مساعدات من الجهات الخيرية”.
مشروع (نينوى أولاً) واحدة من هذه الجهات الخيرية المحلية التي تتكفل بتوزيع المياه المعدنية المعقمة على سكان في المدينة القديمة. تجمع التبرعات وتقوم بإنفاقها على شراء المياه وتوزيعها في البلدة القديمة.
المنسق العام للمشروع (احمد الملاح ) يشير الى أن إصلاح تكسرات الأنابيب في اجزاء عديدة من الموصل القديمة أمر ميئوس منه بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بها جراء الحرب وتأخر مشاريع الدولة بهذا الصديد. وأحياء مثل الميدان على سبيل المثال وهي من المناطق المشهورة على ضفة نهر دجلة اليمنى تم تجريفها بالكامل لأنها كانت عبارة عن خراب. وأحياء أخرى مثل ( الشهوان) لم يعد اليها سكانها أصلا. لذا تركز جهد منظمته على منطقة( شارع الفاروق ) وامتداداته. والمناطق الأخرى التي عاد اليها سكانها النازحون.
ويؤكد احمد الملاح بان الهدف الأساسي من جهد مشروع نينوى أولا هم الأطفال. لأنهم يحتاجون الى مياه معقمة للحليب وتجنيبهم الأمراض المعوية كالإسهال وغيرها من الامراض التي تشكل خطورة على حياتهم. فالآبار بنحو عام في الموصل لا تخضع للرقابة وليست هنالك تأكيدات على أن مياهها غير ملوثة.
ولفت الى أن عبوات المياه البلاستيكية يتم شراؤها من معامل تقع شرقي مدينة الموصل بسعر (1,5) دولار للعبوة الواحدة سعة (20) لتراً. وهي غير قابلة لإعادة التعبئة. وتوزع بشكل أساسي للشرب. ومن ثم للطهي بدرجة ثانية. والمستفيدون هم الفقراء غير القادرين على تحمل تكاليف شراء المياه.
وتنشط في الموصل معامل تنقية المياه وتعبئتها، وسوق رائجة تستوردها لزبائن مقتدرين مالياً في حين ان مئات الالاف الملتحقين بجيش البطالة الذي شكلته حرب التحرير لايجدون أمامهم سوى مياه الاسالة الملوثة بسبب تكسر شبكة النقل. وحتى هذا يعد ترفاً لآلاف يعتمدون على مياه الآبار غير الصحية بسبب اختلاط مياهها بالمياه الثقيلة التي تطوف عليها مدينة الموصل بسبب افتقارها الى مجار خاصة.
السيدة (لمياء يوسف) تسكن المدينة القديمة أيضاً. وتشعر في قرارة نفسها بأنها ارتكبت خطئاً بعودتها مع اطفالها الثلاث من مخيم النزوح. لأنها تنفق معظم الوقت في البحث عن المياه والكهرباء والوقود في حين أن ذلك كان متوافراً هناك حتى وإن لم يكن بنحو جيد.
قالت بحسرة : ” لولا المنظمات لما كنت استطيع تامين مياه الشرب لأطفالي. لانها ستكلفني 150 الف دينار شهرياً وانا أرملة وليس لدي عمل او معيل”.
نهر دجلة يجري بسخاء ويقطع مدينة الموصل الى نصفين ومع ذلك وعلى بعد أمتار قليلة من الضفة اليمنى تقف طوابير للحصول على مياه شرب. وفي الضفة الأخرى الناجية من دمار الحرب تخفق محطات التنقية في ايصال مياه نظيفة الى المنازل بسبب تهالك شبكة النقل فيلجأ الناس الى (فلاتر) التصفية. او عبوات المياه المعدنية المعقمة وهي أكثر سلعة رائجة في الموصل بعد الحرب .