سكان البصرة يبحثون عن المياه العذبة
خاص لموقع قصة المياه/ الشرق الأوسط بالاتفاق مع موقع نقاش
الكاتب: سليم الوزان
احتار علي طالب في توزيع حصص المياه الحلوة التي يشتريها من حوضيات متنقلة بين الاستعمال العائلي وسقي مزروعاته وحيواناته في بستانه الصغير بقضاء أبي الخصيب أو ملء أوانٍ تشرب منها الطيور التي يقتلها العطش، خصوصا أن كمية المياه التي يشتريها محدودة نظرا لتضاعف أسعارها.
ويقول طالب لـ”نقاش”: “ارتفع طن الماء الصالح للاستعمال في البصرة من (8- 10) آلاف دينار إلى ضعف ذلك المبلغ، فهناك شحة بعد توقف عمل أغلب محطات التحلية جراء ارتفاع الملوحة في شط العرب. نحن لا نستخدم مياه الإسالة سوى للاغتسال منذ التسعينات والآن لم يعد بإمكاننا استخدامها لهذا الغرض”.
اللسان البحري امتد إلى مركز مدينة البصرة الذي يبعد (90) كلم عن البحر ووصل شمالا حتى مسافة (20 كلم) أخرى فبلغ قناة كتيبان الإروائية، وهي القناة التي أنشئت لنقل الماء الحلو إلى قضاء الفاو وناحية السيبة.
وتعود مشكلة ملوحة مياه شط العرب إلى ما قبل (2009) نتيجة قلة الاطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات التي تصل الى البصرة إضافة لغلق إيران نهر الكارون الذي يصب في شط العرب. البصرة طالبت مرارا بزيادة الاطلاقات المائية إلى معدل (75) مترا مكعبا وهو ما يواجه بعراقيل من المحافظات الأخرى وتلكؤ وزارة الموارد المائية.
يقول أحمد حنون مدير بيئة البصرة إن تعبير مياه الإسالة كمسمى خارج الاستعمال فأهالي البصرة يعتمدون على مصادر مياه التحلية RO)) منذ سنوات.
ويوضح لـ”نقاش”: تفاصيل القضية قائلا: “في الآونة الأخيرة نظرا لقلة الإطلاقات المائية وتصريف مياه الصرف الصحي بدون معالجة ومصاريف المياه الصناعية أسهم كل ذلك إلى امتداد اللسان الملحي إلى شمال البصرة فتحولت مياه الأنهار إلى مياه مالحة”.
ويضيف “تغيّرت مواصفات المياه النهرية وفق ظروف بيئية، فعندما تكون مياها مالحة فأنها تصبح بيئة مناسبة للكائنات البحرية، حتى النباتات تتغير فقد تم رصد اسماك بحرية ف الأنهار، فرقنا الرقابية سجلت وجود سمك البلطي وهو من الأسماك الغازية الذي يعد غريبا على البيئة النهرية”.
الحكومة المحلية تقف عاجزة في مواجهة أزمة مستفحلة، فهي لا تمتلك سوى موازنة تشغيلية صغيرة بحسب زهرة البجاري، في مقابل الكثير من الوعود والحلول المطروحة من حكومة بغداد كمشروع محطة أم قصر الذي وعد رئيس الوزراء بتمويله لكن من دون تنفيذ فعلي.
تقول رئيس لجنة التطوير والإعمار في مجلس المحافظة لـ”نقاش” إن “الحل الأمثل هو في إنشاء محطات تحلية تعتمد على مياه البحر لغرض تجهيز البصرة بمياه الإسالة، لكن هناك وعو من دون خطوات عملية، أما الحلول المتاحة فتتمثل باستكمال مشروع ماء البصرة في منطقة الهارثة الذي سيزود مركز المدينة بـ(200) ألف متر مكعب من المياه”.
وتوضح “كان يفترض البدء بتشغيل المشروع في شهر آب الحالي إلا أن العمل توقف بعد مغادرة كوادر الشركات المنفذة الفرنسية والمصرية واليابانية نتيجة الأوضاع الأمنية المرافقة للتظاهرات الأخيرة”.
ويصف علاء البدران نقيب المهندسين الزراعيين في البصرة شط العرب بـ”النهر الميّت” فنسبة الملوحة في مجراه بمركز المدينة بلغت مستويات غير مسبوقة، وعلى هذا الأساس يتعامل الجانب الإيراني مع الوضع فيقوم بتسليط مياه المبازل.
ويوضح لـ”نقاش” ما يترتب على ذلك بالقول: “باتت مياه شط العرب غير صالحة لأي استخدام كما أن نسبة تراكيز الملوحة تتسبب بالمشكلات للتأسيسات الصحيّة وأنابيب إيصال المياه للبيوت وداخل البيوت التي أصيبت بالتآكل والانغلاق جراء الملح”.
وينبه البدران إلى ما ينجم عن المدّ البحري من مشكلات خطيرة قائلا ان “المياه المالحة تحمل مشكلة كبيرة للخزانات المنزلية، فحين تُحفظ بخزانات المياه على الأسطح وتتعرض لدرجات حرارة عالية فأنها تتحول إلى مياه طحلبية سامة مسببة مشكلات صحية للناس، ويطلق على هذه الحالة في سواحل دول الخليج بالمدّ الأحمر”.
بينما يحذر الدكتور عبد الحميد مجيد من أن المياه المالحة في الأنهار تغدو وسطا ناقلا لوباء الكوليرا، مبيناً “ان المياه المالحة تساعد على ازدهار فيروسات الكوليرا، وقد تنتقل عبر مياه الإسالة إذا لم تكن معقمة بالشكل الصحيح”.
في البصرة انحسرت الزراعة كثيرا ونفقت الكثير من الحيوانات البرية والبحرية وهناك نوع نهري من السلاحف يسمى (الرفش) غادر الأنهار بعدما أصيب بالعمى.
تتعرض البصرة لكارثة بيئية كبيرة في مقابل عدم اكتراث حكومي مستغرب، فلم تتخذ معالجات حقيقية. كما يقول علاء البدران نقيب المهندسين الزراعيين، ويضيف “حاولنا منذ 2008 تحذير الحكومة بحلول الكارثة، في بغداد تدور النقاشات عن السد المفترض إقامته على شط العرب في حلقة مفرغة، ما زالوا يتجادلون عن جدواه للبيئة”.
ويؤكد ان “وزارة الموارد المائية لا تصغي لأصواتنا ومقترحاتنا بجلب وزراعة أعلاف مقاومة للملوحة وإقامة أحواض للمياه الحلوة بالنسبة للجاموس والماشية كما أنشأت في الأهوار من قبل منظمات دولية”.
رداءة المياه التي بلغت درجة خطيرة بسبب الملوحة والتراكيب السمية أثّرت على عمل محطات تحلية المياه فتوقف أغلبها بسبب ارتفاع تكاليف التصفية والترشيح والتعقيم، وتوقف معمل الأسمدة في خور الزبير الذي يعتمد على مياه شط العرب فخسر (10) مليارات دينار أرباح صافية.
لكن هناك أيضا تخوّف من توقف محطات الكهرباء الحرارية التي تستمد المياه من شط العرب، فإذا بلغت نسبة الملوحة أكثر من (20 (TDsفان كمية المياه المحلاة التي تتحول إلى بخار سوف تقل، ما يؤثر بدوره على الإنتاج.
حرٌّ لاهب، مياه البحر تتدفق من صنابير المياه، وانقطاع الكهرباء دفعت البصريين للخروج بتظاهرات واعتصامات مستمرة منذ شهر، وهو ما أيقظ حكومة بغداد من انشغالاتها الانتخابية، فبادرت بأطلاق الوعود وعززت من التواجد الأمني في المدينة.